خفايا القرار التشادي بإغلاق السفارة القطرية في انجامينا
على عكس ما ادعته الدوحة، فإن قرار تشاد بقطع العلاقات الدبلوماسية، وطرد السفير القطري في انجامينا، وطاقم السفارة في البلاد، لم يكن لا مُفاجئاً، ولا متسرعاً، بل قراراً يعكس تحليلاً ذكياً من قبل الرئيس إدريس ديبي، ثعلب الصحراء، كما يُسمى في الأوساط الأفريقية المطلعة، والعارفة بمسيرة الرجل منذ الثمانينات، عندما كشف وأكد مواهبه العسكرية والاستخباراتية الخارقة، أثناء الحروب الأهلية التي أدمت بلاده سنوات طويلة، خاصةً في عهدي كوكوني وداي، وخلفه حسين حبري. ورغم أن القرار التشادي لم يتعرض مباشرةً للأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا القرار ولا مبراراته والاكتفاء بالحديث عن دور قطر في نشر الاضطرابات في تشاد، المجاورة لليبيا، واستضافتها لشخصيات تشادية متورطة في الإخلال بالأمن في البلاد، التي تمر بصعوبات اقتصادية، وسياسية، وعسكرية كثيرة، بسبب الركود الاقتصادي من جهة، وقربها من ليبيا، والسودان من جهة ثانية، وتزايد نشاط الحركات المسلحة في المناطق الحدودية مع ليبيا،بل داخل ليبيا بدعم من جهات خارجية، كما دأبت الجهات الرسمية التشادية على القول.أما بعد إغلاق السفارة القطرية، فلا يمكن التغاضي عن السبب الذي يقف وراء هذا القرار، وتداعياته على تشاد وليبيا، التي تتهم بدورها قطر بالتورط المباشر في دعم الإرهاب، والحركات المسلحة المتطرفة فيها.متمردون تشاديون إذا كان احتضان قطر شخصيات تشادية عدة، سياسية وعسكرية كثيرة، لا يعد غريباً أو مُثيراً إلا أن إصرارها على احتضان زعيم تجمع القوى من أجل التغيير، وقائد إحدى أهم الميليشيات التشادية العاملة بين تشاد وليبيا، تيماني إرديمي، وشقيقه التوأم توم إرديمي أيضاً منذ 2009، أبرز الأسباب التي تقف وراء قرار نجامينا بإغلاق السفارة.وحسب تقارير صحافية دولية وأفريقية، لم يكن قرار الرئيس إدريس ديبي، اعتباطياً أو متسرعاً في ظل تزايد المؤشرات على الدور القطري المتنامي في دعم التمرد المسلح، بقيادة إرديمي، المنشق على ابن خال والده، الرئيس ديبي، والذي يُحاول أيضاً احتلال مكانه على رأس إحدى أهم الأقليات العرقية في تشاد رغم تواضع عددها، وهي عرقية الزغاوة، المنتشرة في دارفور السودانية، وفي تشاد والمرتبطة بعلاقة عمومة، ومصاهرة ودم، مع قبائل التبو المنتشرة على الحدود مع ليبيا المجاورة.ويعد إرديمي الذي عمل سنوات طويلة تحت قيادة ديبي، الذي قربه بحكم العلاقة العائلية القوية، قبل أن يحاول الانقلاب عليه بين 2007 و2009، بدعم من بعض العسكريين، ومن الميلشيات المعارضة لديبي ونظام حكمه، خاصة بعد ظهور النفط بكميات تجارية معتبرة في البلاد، والتي تقدرها بعض الجهات المتخصصة بـ 1.5 مليار برميل في بداية 2003.ومع ظهور النفط، تفاقمت مشاكل تشاد، بسبب تفجر الأطماع الداخلية والخارجية أيضاً في ظل قرب البلاد من منتج كبير مثل ليبيا، شمالاً، ونيجيريا في الجنوب الغربي، ما أفضى إلى ظهور عشرات التشكيلات العسكرية التي حاولت إقصاء رجل نجامينا القوي إدريس ديبي إتنو، الذي نجح بفضل خبرته العسكرية الطويلة من جهة، وشبكته الاستخباراتية الناجعة في فك جميع الألغام التي اعترضت طريقه على امتداد سنوات طويلة، انتهاءً بسحق المعارضة المسلحة التي يرأسها بعض أقاربه، مثل إرديمي وشقيقه التوأم توم، انطلاقاً من شرق السودان ودارفور تحديداً، ثم من ليبيا بعد انهيار نظام معمر القذافي، وتدفق عشرات المقاتلين التشاديين من حركة إرديمي، أو التشكيل الأوسع الذي يرأسه إرديمي نفسه تحت مسمى اتحاد قوات المقاومة.احتلال ليبياوفي هذا الإطار تكتسي الاتهامات الليبية الأخيرة لقطر بدعم الإرهاب، والحركات المسلحة في البلاد، بما في ذلك الجنوب الليبي، الذي يشهد تجمعاً متنامياً لمسلحي داعش الهاربين من سرت، ومن بنغازي والشرق، في اتجاه منطقة الجفرة، إلى جانب مسلحي المعارضات التشادية خاصةً من الزغاوة الذين يُسيطرون على مناطق واسعة جنوب ليبيا، منفردين أو مشتركين مع قبائل التبو، ذات الأصول الأفريقية التي تُسيطر خاصةً على منطقة الكفرة في ليبيا، وصولاً إلى سبها المدينة الكبرى في جنوب ليبيا، ومناطق أخرى من إقليم فزان الليبي، والتي سمحت بتدفق مئات وآلاف المقاتلين التشاديين، الذين يُشاركون في القتال ضد الجيش الليبي الذي يقوده المارشال خليفة حفتر، في مدن الجنوب، ولكن أيضاً في مدن الشمال مثل درنة، بنغازي، وصولاً إلى مصراتة في الغرب، وتمنهنت وسط البلاد، وهي القوات التي وصل عددها إلى حوالي 2000 مقاتل حسب بعض المسؤولين الليبين، وتخوض معارك ضد الجيش اللليبي والقوات الحكومية التشادية على الجانب الآخر من الحدود.ورغم رد قطر بإغلاق السفارة التشادية وطرد السفير وطاقم السفارة، وإنكار أي علاقة لها بالأحداث المتسارعة في المنطقة، إلا أن النظر إلى تطور المعطيات على الأرض، يكشف حقيقة الأوضاع ودواعي القرار التشادي الحازم.وفي هذا السياق، لا يُمكن إغفال الأزمة الخليجية بين دول المقاطعة وقطر، وموقف نجامينا منها، والذي يُعتبر أقرب إلى دول المقاطعة منه إلى الدوحة، بعد استدعاء السفير التشادي في قطر للتشاور، ما يُعطي بعض المصداقية للتقارير التي تحدثت عن محاولات قطرية لمعاقبة تشاد، وتشديد الخناق على قوات الجيش الليبي في الجنوب، بدعم المسلحين التشاديين وتمكينهم من أسلحة متطورة وحديثة، وهي المعطيات التي تحدثت عنها قيادة الجيش الليبي منذ أسابيع طويلة قبل اندلاع الأزمة في يونيو (حزيران) الماضي.طلب قطريون في تقرير حديث نشره موقع تشاد فوروم في يوليو (تموز) الماضي، قالت مصادر تشادية إن قطر طلبت من تيماني إرديمي تفعيل قواته العسكرية وإعادة نشرها في المناطق المجاورة لتشاد انطلاقاً من ليبيا، ومن السودان أيضاً، للرد على حكومة نجامينا من جهة، ولتنفيذ سياستها في ليبيا.ويؤكد التقرير أن هذا الطلب القطري، هو الذي يُفسر إلى حد بعيد الزيارة والجولة التي قام بها الرئيس التشادي إدريس ديبي، على عدد من العواصم الخليجية قبل شهر، بعد تواتر المعلومات
#تقرير_اخباري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق